نص كلمة الدكتورة مينا الكاظمي في جلسة يعنوان ” ما وراء التنوع الحيوي : ريادة المرأة في مناع متغير”

حول محور الممارسات المستدامة في النظم الغذائية و دور النساء في الحلول العملية
“إن الفلسفة التي تجمع بين البيئة وحقوق المرأة تمثل براديغم جديد لما يمكن تسميته “العدالة الكونية الحيوية”. فإذا كانت المرأة في الحضارة الإنسانية هي رمز للحياة والخصوبة، فإن الميكروبات والتخمير الطبيعي يمثلان رمزاً للنظام البيئي المتوازن وإعادة التدوير المستمرة للحياة. الجمع بين الاثنين ليس مجرد مشروع اقتصادي أو تقني، بل هو إعادة لاكتشاف العلاقة بين “الأم الكبرى” (Mother Earth) والمرأة كفاعل أساسي.
من هنا، يكون المدخل الفكري لإعادة صياغة مفهوم النهضة – ليس باعتبارها مجرد نمو اقتصادي، بل كتحرر من أنماط الاستهلاك المفرط، واستعادة المرأة لمكانتها بوصفها وسيطاً بين الأرض والإنسان. بمنح المرأة موقع “الراوية الكبرى” التي تنقل للإنسانية الخبرة البيئية والمعيشية من جيل إلى جيل عبر العمل العلمي والعملي.
قد تكون البداية بمشروع صغير في قرية، يديره نساء يعالجن منتجات التخمير لصالح المجتمع المحلي، ولكنه في الحقيقة رسالة فلسفية–أممية بأن المستقبل لا يكون بالتقنية المنفصلة عن الإنسان، وإنما بالمعرفة المتجذرة في القيم الحيوية التي تؤكد العدالة، والمساواة، وحق كل إنسان أن يعيش برفاهية وكرامة
إن استعادة المرأة لمكانتها في المحافل الدولية يخرج النقاش من أسر الأرقام الجامدة إلى أفق إنساني–كوني. فبينما تكدّس المؤتمرات جداول عن نسب الفقر أو معدلات البطالة، يغيب السؤال الأعمق: كيف تستعيد المجتمعات قدرتها على التجدد الذاتي؟ حين نُدخل المرأة في هذه المعادلة، فإننا لا نطرح مسألة تمكين اقتصادي فقط، بل نعيد إحياء المركز الروحي للحياة الاجتماعية. إن صور النساء الريفيات اللاتي يحولن بقايا المنتجات الزراعية إلى غذاء أو دواء أو مصدر رزق تحمل روح التجديد الكوني بأبسط أشكاله. إنها ليست مجرد “مشاريع صغيرة”؛ بل تجسيد عملي لحق البشرية في الكرامة والحرية.
إن المنظومات الأممية بحاجة إلى استلهام هذه الحكمة البسيطة التي تجمع بين العلم والفلسفة والعيش اليومي، فالتجديد لا يُختزل في معادلات تنموية، بل هو فعل مستمر لاستعادة التوازن بين الإنسان، الأرض، والكرامة
إذا أردنا أن نستعرض الأمثلة في ضوء الرؤية الفلسفية، فإنها تمثل “نقاط ضوء” صغيرة لكنها كفيلة بإحداث تحوّل واسع؛ الميكروب في التخمير، كما المشروع الصغير الذي تقوده امرأة ريفية، يبدوان متواضعين، لكن أثرهما أعظم من أي استثمار ضخم لا يحمل روح الإنسان. إن تجربة مركز لاكتوبرو في الخليج وما يماثله في الدول الأخرى وتقرير عالمي من الأمم المتحدة يرسّخ مبدأ أن التغيير يبدأ من القاعدة، لا من القمة. هذه التجارب عندما تأخذ حقها من التبني والتمويل والتحالف مع السياسات الخضراء، تتحول إلى نهج حضاري متجدد؛ لا يكرس المرأة كعنصر “محمي”، بل كخزّان للمعرفة العملية والقدرة على تجديد دورة الحياة.
فنحن لا نأتي بأرقام مجردة، بل بحكمة حيّة، صحيح أنها وُلدت في المطبخ أو القرية أو المختبر الصغير، لكنها اليوم قادرة على قيادة خطاب إنساني عالمي.”
استجابات